ذات مساء مستعمل، و أنا هائمة أعد خطاي عائدة من عملي، أحمل بين كتفي رأسا مثقلا بالهم و التعب، رأيتهما تبزغان من زاوية الزقاق الجانبي، قادمتين تجاهي مباشرة بلباسهما الفضفاض و حجابهما الذي يحيط بوجهين كبلورتين، و ينسدل إلى منتصف جسديهما الصغيرين، تحملان حقيبتين على ظهريهما و تمسكانهما بيدين رقيقتين، عيونهما الضيقة و شفاههما الرقيقة تؤكد لي أنهما من ماليزيا أو إحدى الدول المجاورة لها، _ غالبا هما تدرسان هنا بالمغرب كما سبق و حكت لي واحدة منهم التقيتها صدفة كذلك بالحافلة، أحسست بجانبها بنفس هذا الشعور الذي أعجز عن وصفه سوى أنه حب في الله، و أهديتها كتابا صغيرا يحتوي بعض الأذكار كنت أحمله معي، أخذته واعتذرت مني بلغة عربية زادتها ركاكتها جمالا، لأنها لا تحمل شيئا تبادلني إياه كهدية منها كذلك_ .. الفتاتان أمامي الآن، تنظران إلي و تبتسمان، و أنظر إليهما و أبتسم، كأن شحنة مغناطيسية تولدت للتو فيما بيننا، تجذبنا إلى بعضنا في حبور و ذهول، أحسست بانشراح في صدري أكاد أجزم أنه نفس إحساسهما وسط كل الذين يعبرون بجانبنا من غرباء (نعم هكذا صرت أراهم حينها و لا تسألوني عن السبب) .. كلما قاربت خطانا بيننا كلما ازداد ذلك الانشراح في صدري و اتسعت ابتسامتي أكثر، و ابتسامتهما أكثر فأكثر ... ها هما الآن تمران بجانبي فتنطقان بلسان عربي ملعثم واحد " السلام عليكم" و تحنيان رأسيهما بالتحية ثم ترفعانهما ناظرتين إلي.. أرد "وعليكم السلام و رحمة الله" و قلبي ينبض حبا و فرحا .. تمضيان و أمضي بعد ذلك التقاطع الروحي الذي أحيا شيئا بداخلي ظننته مات من كثرة ذنوبي و معاصيّ في ظرف دقيقة زمنية عابرة أو أقل...
تحسست تلك النبضات و تلك البسمة التي لم تفارقني، فإذا بعينيّ تدمعان من دون أن أجد لفعلهما هذا تفسيرا معينا.
1 التعليقات:
ما شاء الله، هذا هو الصدق في المحبة
زادك الله حبا أنار قلبك بالصدق
إرسال تعليق
تعليقكم تشجيع