جلس بالكرسي الوحيد الشاغر في القاعة المكيفة، نظر إلى عدد المنتظرين أدوارهم مثله فخمن أن أمامه نصف ساعة على أقل تقدير سيقضيها جالسا هنا، جال ببصره في كل ما حوله حتى استقرت نظراته على عنوان كتاب مفتوح بين يدين أنثويتين للجسد المستقر بجانبه، "الخيانة الزوجية قد تُبرَّر" استفزه العنوان لدرجة أنه لم يزح عنه بصره و لبث شاردا.
انتبهت السيدة الأنيقة إلى هذا الذي غرس عينيه في كتابها ونسيهما، نظرت إليه، و قاطعت شروده بابتسامة باهتة، أحس ببعض الحرج فحاول أن يستدرك الموقف قائلا:
ـ كتاب مميز، لا أعتقد أنك وجدته بين هذه المجلات الشاحبة التي تملأ الطاولة!
ـ "لا طبعا". أجابت بابتسامة تخفي إحساسا بالإطراء و تابعت قائلة: "هو لي"
ـ جميل، صدقا أحييك على حب القراءة، و اعتنائك بحمل كتاب معك في زمننا هذا الذي يعرف عزوفا خطيرا عن القراءة.
ـ صراحة لا أجد متعتي إلا و أنا أقرأ، أقرأ في كل المجالات، إذ يكفيني أن أحمل كتابا بين يدي لأشعر بالأنس و أنسى بقية العالم، ماذا عنك إذن؟
ـ" أحب القراءة أيضا، لكنني شخص ملول... أقصد أني أقرأ أكثر إن وجدت الرفقة المحفزة." هكذا أجابها و هو يضحك باقتضاب.
تضحك أيضا و تعقب:
ـ "ذكرتني بزوجي الذي لا يطالع إلا دفاتر تلامذته من أجل تصحيحها بعناء كبير، يقول أن مهنة التدريس تجعل صاحبها يهجر الكتب.." قالت، ثم عادت تطالع في كتابها.
وجد في نفسه رغبة ملحة في إطالة هذا الحوار، فكر بخبث أن يستدرجها إلى الحديث عن موضوع العنوان المثير، فطلب منها بحركة مؤدبة و رشيقة أن يلقي نظرة على الكتاب، وافقت بلباقة و ابتسامة على محياها بدت له أكثر وضوحا و إشراقا و هو يتأملها و ينطق ببطء كلمة "شكرا".
ـ يبدو أن الكاتب طبيب نفسي أليس كذلك؟
ـ نعم تقريبا، هو أخصائي نفسي و اجتماعي، يحاول أن يبين أن ثمة حالات خاصة من العلاقات المبرَّرة أو الجائزة من الخيانة الزوجية.. هراء في هراء، فالخيانة لا تبرَّر أبدا، و إلا فما رأيك أنت؟
ـ طبعا طبعا، الزواج ميثاق غليظ بين شخصين متحابين، و لا شيء يبرر وجود طرف ثالث في هذا الرباط المقدس.
أحس أن كلماته بدت تافهة و جوفاء، مثل عنوان لمقال صحفي بجريدة من تلك الجرائد الصفراء التي لا يقرؤها أحد... استدرك محاولا إضفاء نوع من الإطراء على كلماته:
ـ أفهم إذن أنك تقرئين الكتاب و لو كنت غير متفقة مع مضمونه؟
ـ نعم طبعا، و إلا فكيف سنعرف الجوانب الأخرى لكل ما نعتقده؟
أحس أنها تفوقه ثقافة، فحاول أن يخفي انبهاره بإيماءة من رأسه تفيد أنه يوافقها الرأي. أخذت الكتاب من بين يديه و بدأت تبحث بين صفحاته؛
ـ" سأريك مثالا يحاول الكاتب أن يضفي فيه مصداقية على طرحه". قالت و هي تواصل البحث إلى أن وضعت سبابتها على بداية إحدى الفقرات.
كان ينظر إلى أصابع يدها البيضاء الرقيقة، تذكر آخر مرة رأى فيها أصابع زوجته بمثل هذا الجمال بعد زواجهما بأشهر قليلة، حاول أن يمنع نفسه من مقارنتها برفيقته الأنيقة وفاء لها، لكن صورتها و هي تقشر حبات القوق بجانبه، و تلك الخضرة الداكنة تغطي أطراف أصابعها ليلة أمس، استقرت أمام ناظريه و هو يتأمل أظافر رفيقته المزينة بطلاء وردي جعلها تبدو أقرب إلى زهور متفتحة أعْلى أناملها الصافية.. أيقظه صوتها الرخيم من شروده حين بدأت تقرأ:
"ـ أحيانا قد يكتشف الزوج أو الزوجة أن السكينة التي ينعم بها في زواجه هي نتيجة لسبات روحه التي بين جنبيه، فإذا وُجِدَ توأم هذه الروح، استيقظت و أيقظت بداخله احتياجا جارفا لهذا التوأم، فهل نلومه على شيء لا يد له فيه؟"
نظرت إليه فأزاح عينيه بسرعة عن يدها و تظاهر باهتمامه، قالت له ما معناه أن الكاتب يبالغ في العطف على الزوج الخائن، و أن توأم الروح هو ذلك الذي يقاسم شريكه الحلو و المر تحت سقف واحد.
بدت له كلماتها حُلوة أكثر و هو يراقب انسياب حروفها من بين شفتيها. عندما سكتت، انتبه إلى كونه ملزما بالرد عليها و الثناء على رأيها فقال:
ـ صحيح، تماما .. عامة، فإن هؤلاء الكتَّاب يتحدثون بهذه العاطفة الزائدة كي يؤثروا في قرائهم و تحقق كتبهم أكبر نسبة من المبيعات لا أكثر.
ابتسمت، فأحس بالفخر لأن كلماته ربما بدت مقنعة أكثر هذه المرة. كانت ستعقب لتؤكد على قوله أو تنفيه، لولا الممرضة التي وقفت فجأة أمامهما، لتخبرها أن دورها قد حان، أحس أن عليه أن يستغل آخر دقيقة من هذا اللقاء الغير متوقع، فقال بسرعة أن حديثهما كان شيقا جدا، و أن بوده لو واصلاه بأي شكل ممكن، لتفاجئه بأن ذلك هو شعورها أيضا، و أنها ستسعد بالتواصل معه مرة أخرى، مادة إليه بطاقة صغيرة تحمل اسمها و أرقامها و عنوان البريد و ما إلى ذلك..
ـ اسمي مراد، أشكرك كثيرا على هذه الثقة.
ـ تشرفت بمعرفتك، سأستقبل مكالمتك نهارا في مكتبي، أما ليلا، كما تعلم، فسأكون في بيتي و زوجي لن يتفهم، كما تعلم، أننا مجرد صديقين...
1 التعليقات:
ماعرفتش علاش ملي كنقرا شي نص ادبي او مقال صحفي تتبادر الى ذهني مجموعة من الاشياء والقضايا مشتتة هنا وهناك ربما هناك رابط خفي وغير ظاهر يجمع بين ما سبق وقراناه وبين ما نقرؤه الان,,,,
اول حاجة خطرت لي ع البال وانا بصدد القراءة ه عنوان فيلم مصري مشهور وهو :الخيانة المشروعة ...
وثاني حاجة ازعم ان الخيانة المبررة عند النساء بالخصوص ؛لأن الرجل لايواجه خيانة زوجته بخيانة اخرى بل بالطلاق او بجريمة قتل ....المراة هي التي تواجه خيانة زوجها لها بخيانته مع غيره كرد فعل على خيانته هو لها....واعتقد ان الكثيرات منهن يبررن هاد النوع من الخيانة كونها جاءت كرد فعل لا كفعل ابتدائي .
ثالث حاجة سؤالي للكاتبة هل انت طبيبة ؟ ههه
إرسال تعليق
تعليقكم تشجيع