في طريق العودة الى البيت، أقف وسط حشد من النّسخ المتكرّرة منّي في حافلة مهترئة لا تعرف من أين تستمدّ تلك الطاقة على حملنا جميعا أكواما مكدّسة واقفين وجالسين ومعلّقين ببابها المفتوح على مصراعيه. أمامي تجلس امرأة تلعب السّوليطير على هاتفها الذكي، وبجانبها رجل يستمع الى موسيقى الجاز يتبادلان أطراف الحديث، تتكلّم المرأة وأصابعها تسحب برشاقة الورقة تلو الأخرى وكأنها تعرف مسبقا أين تضعها، أما الرجل فقد جعل هاتفه قريبا من أذنه وقد منعه الضجيج من الاستماع الى موسيقاه، مواصلان حديثهما بتركيز تام، كيف أمكنهما ذلك؟ تساءلت وأنا أتشبّث بمقبض الكرسي مع اهتزاز الحافلة المتواصل والدموع تنزل على وجنتي.. لماذا كنت أبكي؟ لأسباب كثيرة لا داعي للخوض فيها الآن، لكنني كنت أبكي أكثر بسبب حاجتي للبكاء، ولا مكان أنسب للبكاء بعيدا عن أعين الناس أفضل من مكان مكتظّ بهم كهذا. يخلق هذا الالتحام والضجيج مساحات شاسعة في دواخلنا نراها بعيون قلوبنا فنركض فيها ونصرخ بأعلى صوت ونلعن ونسبّ بالكلمات البذيئة حتى نبلغ ذروة غضبنا، ثم شيئا فشيئا نستعذب ذلك العدّ التنازلي لهدوء جميل يحلّ بكل أطرافنا وكأنه مخدّر وكأن عالمنا كلّه ما هو إلا تفاعلات كيميائية تنقلنا من حال إلى حال.. تحوّل تركيزي كلّه إلى موسيقى الجاز، وكأن دماغي يفلترها وحدها من بين كل الأصوات المزعجة الأخرى، فتطربني وأحلّق معها بعيدا عن كل شيء.
5 فبراير 2019
5 فبراير 2019
0 التعليقات:
إرسال تعليق
تعليقكم تشجيع