لقد تيقن أخيرا أن لا خلاص له من لعنته, فقرر العودة إلى قاربه, والإبحار من جديد إلى حيث قدر له أن يرى وجهها لأول مرة...
*****
كان ذلك قبل سنة من الان, حين ضاقت عليه دنياه, فركب قاربه وأبحر بغير وجهة, فلطالما كانت زرقة البحر, موحدة مع زرقة السماء, تمنحه صفاء تسكن فيه نفسه, ويتوقف فيه عقله عن التفكير المضني. عندما توسط البحر, وضع يديه على جانب القارب, وأسند إليهما رأسه, وراح يتأمل صفحة المياه المتلألئة تحت ضوء السماء في هدوء, لا يكسره سوى تأرجح القارب الحثيث من تحته. وبينما هو كذلك, إذ بصورة وجه تتشكل شيئا فشيئا فوق المياه, صعقته الدهشة, ففرك عينيه جيدا ثم أعاد النظر... كانت هي, حبيبته, بعينيها العسليتين الواسعتين, وحاجبيها المستقيمين, وأنفها الصغير, وشفتيها الورديتين المكتنزتين, مبتسمة تلك الابتسامة الساحرة التي تتخذ شكلا مائلا مخلفة غمازة على خدها الأيسر. رأى وجنتيها تعلوهما حمرة الخجل التي كانت أول واخر ما جمع بينهما في لقاء عابر التقت فيه الأعين معلنة عن ذلك الحب الأسطوري, الذي يولد من عدم, ليخلد إلى الأبد. أغمض عينيه, وحاول أن يتذكر من هو واين هو, كي يعرف إن كان يحلم, لكن, ما إن فتحهما من جديد حتى رءاها تتطلع إلى السماء بنظرة حالمة ووجه صبوح, والغمازة عن يسار شفتيها, وإلى جانبها, يرى انعكاس وجهه التعيس البائس, مكث كالمصلوب يحول نظره بين وجهه ووجهها, عاجزا عن تحديد انعكاسه الحقيقي منهما. اشتد هلعه, فأخذ يجدف بقوة للعودة إلى اليابسة قبل أن يصاب بالجنون.
بات ليله كله وهو يفكر بين صحو وغفوة في الذي رءاه, في الصباح, حاول أن يقنع نفسه أن كل شيء مما حدث في الأمس لم يكن سوى كابوس, خيل إليه أنه حقيقة. لولا تلك الرغبة الملحة في داخله, والتي تدعوه للعودة إلى البحر. أذعن أخيرا وركب قاربه, وفي نيته تفنيد رؤياه, للتخلص من تلك الهواجس ومواصلة حياته الرتيبة في أمان.
خيب البحر اماله عندما استقرت عيناه مرة أخرى على محيى حبيبته, ناظرة للسماء بنفس القسمات الهادئة, المبتسمة, والحالمة. (لست مجنونا إذن ولا هو كابوس هذا الذي أراه), هكذا قال لنفسه, وعاد حسيرا لا يعرف أحزن هو ذاك الذي به أم فرح, هل يحزن المحب من رِؤية وجه محبوبه؟ أم يفرح برؤية طيف حبيبه وهو لا يطول الوصول إليه؟.
*****
كان ذلك قبل سنة من الان, حين ضاقت عليه دنياه, فركب قاربه وأبحر بغير وجهة, فلطالما كانت زرقة البحر, موحدة مع زرقة السماء, تمنحه صفاء تسكن فيه نفسه, ويتوقف فيه عقله عن التفكير المضني. عندما توسط البحر, وضع يديه على جانب القارب, وأسند إليهما رأسه, وراح يتأمل صفحة المياه المتلألئة تحت ضوء السماء في هدوء, لا يكسره سوى تأرجح القارب الحثيث من تحته. وبينما هو كذلك, إذ بصورة وجه تتشكل شيئا فشيئا فوق المياه, صعقته الدهشة, ففرك عينيه جيدا ثم أعاد النظر... كانت هي, حبيبته, بعينيها العسليتين الواسعتين, وحاجبيها المستقيمين, وأنفها الصغير, وشفتيها الورديتين المكتنزتين, مبتسمة تلك الابتسامة الساحرة التي تتخذ شكلا مائلا مخلفة غمازة على خدها الأيسر. رأى وجنتيها تعلوهما حمرة الخجل التي كانت أول واخر ما جمع بينهما في لقاء عابر التقت فيه الأعين معلنة عن ذلك الحب الأسطوري, الذي يولد من عدم, ليخلد إلى الأبد. أغمض عينيه, وحاول أن يتذكر من هو واين هو, كي يعرف إن كان يحلم, لكن, ما إن فتحهما من جديد حتى رءاها تتطلع إلى السماء بنظرة حالمة ووجه صبوح, والغمازة عن يسار شفتيها, وإلى جانبها, يرى انعكاس وجهه التعيس البائس, مكث كالمصلوب يحول نظره بين وجهه ووجهها, عاجزا عن تحديد انعكاسه الحقيقي منهما. اشتد هلعه, فأخذ يجدف بقوة للعودة إلى اليابسة قبل أن يصاب بالجنون.
بات ليله كله وهو يفكر بين صحو وغفوة في الذي رءاه, في الصباح, حاول أن يقنع نفسه أن كل شيء مما حدث في الأمس لم يكن سوى كابوس, خيل إليه أنه حقيقة. لولا تلك الرغبة الملحة في داخله, والتي تدعوه للعودة إلى البحر. أذعن أخيرا وركب قاربه, وفي نيته تفنيد رؤياه, للتخلص من تلك الهواجس ومواصلة حياته الرتيبة في أمان.
خيب البحر اماله عندما استقرت عيناه مرة أخرى على محيى حبيبته, ناظرة للسماء بنفس القسمات الهادئة, المبتسمة, والحالمة. (لست مجنونا إذن ولا هو كابوس هذا الذي أراه), هكذا قال لنفسه, وعاد حسيرا لا يعرف أحزن هو ذاك الذي به أم فرح, هل يحزن المحب من رِؤية وجه محبوبه؟ أم يفرح برؤية طيف حبيبه وهو لا يطول الوصول إليه؟.
******
ظل يتردد على البحر شهورا, يلبي نداء قلبه, حتى أتعبه هذا الوصال الذي يشبه الحلم, فقرر أخيرا ألا يعود..
******
للحلول دون تلبية النداء الملح, أمضى يومه الأول في العمل المختلف ببيته, منشغلا عن قاربه, ثم خرج في المساء إلى المدينة للتسكع, حتى يعود متعبا فيخلد إلى النوم. ما إن اختلط بالمارة حتى بدا له طيفها, جرى بين الناس محاولا اللحاق بها, لكن لم يكن ليجد شيئا.. ظل يطارد وهما حتى أصابه الإعياء, فجلس مسندا ظهره لعمود في الشارع, نظر إلى أعلى بعيون مرهقة, فإذ به يرى وجهها مطبوعا على صفحة السماء, وقد بدت قسماتها أكثر حزنا, لم يعرف حينها أكانت هذه لعنته التى اعتاد عليها, أم أن ملاكا ما قرر أن يتجلي له, ليخبره أنه لن ينجو من لعنة رؤيته إلي الأبد. ابتسم في سره و تمتم بينه و بين نفسه, (سواء أكنت وجهها أم وجه ملاك, فلن أنظر إلى السماء قدر ما استطعت كما البحر), قالها ومضى, وفي قلبه حنين إلى رؤية الغمازة التي غيبها الحزن عن وجه حبيبته.
*****
انتهت في 22-03-2015. المحمدية
ظل يتردد على البحر شهورا, يلبي نداء قلبه, حتى أتعبه هذا الوصال الذي يشبه الحلم, فقرر أخيرا ألا يعود..
******
للحلول دون تلبية النداء الملح, أمضى يومه الأول في العمل المختلف ببيته, منشغلا عن قاربه, ثم خرج في المساء إلى المدينة للتسكع, حتى يعود متعبا فيخلد إلى النوم. ما إن اختلط بالمارة حتى بدا له طيفها, جرى بين الناس محاولا اللحاق بها, لكن لم يكن ليجد شيئا.. ظل يطارد وهما حتى أصابه الإعياء, فجلس مسندا ظهره لعمود في الشارع, نظر إلى أعلى بعيون مرهقة, فإذ به يرى وجهها مطبوعا على صفحة السماء, وقد بدت قسماتها أكثر حزنا, لم يعرف حينها أكانت هذه لعنته التى اعتاد عليها, أم أن ملاكا ما قرر أن يتجلي له, ليخبره أنه لن ينجو من لعنة رؤيته إلي الأبد. ابتسم في سره و تمتم بينه و بين نفسه, (سواء أكنت وجهها أم وجه ملاك, فلن أنظر إلى السماء قدر ما استطعت كما البحر), قالها ومضى, وفي قلبه حنين إلى رؤية الغمازة التي غيبها الحزن عن وجه حبيبته.
*****
انتهت في 22-03-2015. المحمدية
0 التعليقات:
إرسال تعليق
تعليقكم تشجيع