إظهار الرسائل ذات التسميات حوليات. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات حوليات. إظهار كافة الرسائل
و أنت لا تدري
يطول هذا الليل و يصير النوم حلما أشتهيه.
تتعطل هذي الحواس و يصير صدري هوة سحيقة بلا قرار.
تتحول كبدي إلى طبقة دم جامدة تمنع أنفاسي من اختراقها.
كل الأشياء الخاصة المحيطة بي تتحول إلى سواد، جنتي الصغيرة تصير جحيما ملتهبا.
أقرب الناس إلي يتحولون إلى مجرد أجساد، أنظر إلى شفاههم تتحرك أمامي فأتمنى لو يصابون جميعا بالبكم أو أصاب أنا بالصمم.
هذا ما يفعله بي غيابك و أنت لا تدري
تتعطل هذي الحواس و يصير صدري هوة سحيقة بلا قرار.
تتحول كبدي إلى طبقة دم جامدة تمنع أنفاسي من اختراقها.
كل الأشياء الخاصة المحيطة بي تتحول إلى سواد، جنتي الصغيرة تصير جحيما ملتهبا.
أقرب الناس إلي يتحولون إلى مجرد أجساد، أنظر إلى شفاههم تتحرك أمامي فأتمنى لو يصابون جميعا بالبكم أو أصاب أنا بالصمم.
هذا ما يفعله بي غيابك و أنت لا تدري
بلادي و إن جارت علي عزيزة
في الأمس البعيد ـ قبل أكثر من عشر سنوات ـ كنت أدرس بالثانوية التقنية الليمون بالعاصمة الرباط، و كان رفاقي في الشعبة من مختلف ربوع المملكة .. أثناء تعارفنا الأول ببعضنا البعض، ما إن قلت لهم أنني من مدينة تيفلت حتى انفجروا ضحكا و تغامزوا بينهم. تطلبت مني سنتي الأولى معهم دموعا و خصومات و عداوات قبل أن أألف سخريتهم التي اختفت بدورها بعد أن فطنوا إلى حساسيتي من الموضوع و كذلك بعد أن فرضت احترامي عليهم بطيبوبتي و صرامتي. كانت كلمة تيفلت حينها تحيل عقل سامعها مباشرة إلى أوكار منظمة للتجارة الأقدم عبر التاريخ ..
في الأمس القريب ـ قبل أقل من سنة ـ و أنا أستقل سيارة أجرة من أمام محطة الرباط المدينة متوجهة إلى محطة سيارات الأجرة الكبيرة لتيفلت ـ و كنت أرتدي حجابي الفضفاض و أحمل حقيبة على ظهري و أخرى في يدي ـ سألني السائق مباشرة :
ـ هل أنت ذاهبة لزيارة أحد السلفيين بسجن تيفلت ؟
كان سؤاله كالصاعقة فأنا لم أكن أعلم حتى بوجود سجن بمدينتي اليتيمة، قلت له بعد أن استفسرته عن هذا السجن أنني ذاهبة إلى أمي و أبي فقط فاعتذر مني ..
بين الأمسين قضيت شهرا من التدريب في المجلس البلدي لمدينة تيفلت في مجال تخصصي ـ البناء و الهندسة المدنية ـ عرفت خلاله أن ثمة مشروع كبير في ضواحي تيفلت لأكبر محطة لمعالجة الأزبال !! عرفت كذلك أن من يتطوع للعمل فيه من أبناء المنطقة تضطره فقط قلة ذات اليد فيما هو يعلم يقينا أنه مقدم على عملية انتحار بطيئة رغم تلك الحقنة التي يقول مسؤولوا المحطة أنها ستحمي العمال من الفيروسات الفتاكة.. لم أعرف بعدها مصير هذا المشروع..
لن أبوح بسبب تذكري لهذه المحطات من حياتي/مدينتي سأكتفي فقط بتدوين تاريخ هذا اليوم - الجمعة 19 يوليوز 2013 - الذي شهد أول زيارة لملك البلاد منذ توليه العرش إلى هذه "التيفلت" و التي لا تبعد عن العاصمة سوى بكلمترات لا تتعدى الستين ..
عمي يحيى
في كل صباح، ترسلني أمي إلى دكان عمي العربي لأجلب الخبز الساخن و باقة النعناع، أمر على العم يحيى جالسا على الكرسي الخشبي أمام بيته العتيق، قابضا بكلتا يديه على أعلى عكازه المعقوف، شاردا يحدق في حديقة الحي الصغيرة في الجهة الأخرى من الزقاق بعينين ساكنتين مسمرتين، لا يلتفت أو يتحرك، أعبر أمامه متوجسة مسرعة الخطى، أتحاشى النظر في عينيه و أرمقه بنصف عين، فيتهيأ إلي و قد حمل عكازه و راح يجري خلفي ليضربني بقوة فأحث خطاي أكثر، ثم أجري من شدة خوفي و نبضات قلبي تتسارع، أتجاوزه بالقدر الذي يجعلني مطمئنة فأقف و أستدير لأجده ثابتا في مكانه غارقا في شروده، لم يحول عينيه من على الحديقة و كأنه يخشى أن يغفل عن مراقبة شيء ما. كثيرا ما كنت أقف لأنظر حيث ينظر، لأرى إن كان ثمة شيء مميز يشد انتباهه، لكنني لم أكن أجد سوى نفس الأشجار المعدودة و الكراسي الحديدية المتهالكة، و بعض أطفال الحي يتقافزون هنا و هناك ... أعود حاملة كيس الخبز في يد و باقة النعناع في اليد الأخرى محاولة لفت انتباهه و قد صارت حدة وجلي منه أقل، لكنه ثابت كما هو لا يتحرك.
أتحرر من قبضة أمي بعد وجبة الإفطار فأهرول إلى الحديقة لألعب مع رفيقاتي هناك، نجري و نمرح و عينا العم يحيى لم تفتأ تخترقنا ناظرة إلى اللاشيء .. شيئا فشيئا صار العم يحيى جزءا مهما من صباحاتي، أرقبه من وسط الحديقة حين يقف مستندا على عكازه، يحمل كرسيه الخشبي بتثاقل و يدخل بيته فلا أراه مجددا حتى صباح الغد.
ترى ما الذي يفعله العم يحيى في بيته بعد أن يغلق عليه الباب ؟ لعله يشاهد التلفزيون، أو يتحدث مع أبنائه و أحفاده في الهاتف، هم لا يزورونه إلا نادرا جدا، منذ توفيت زوجته و هو وحيد .. عندما كانت لا تزال هنا، كان يبتسم و يذهب إلى المقهى و يحضر من السوق قفة مليئة بالخضر و الفواكه، نجري إليه فيعطينا حبات التفاح أو قطعا من السكاكر، لكن بعد رحيلها لم يعد يفعل أي شيء غير الجلوس أمام عتبة الدار كل صباح إلى ما بعد الضحى ثم يغلق عليه باب البيت بقية النهار، أنا أعرف لما يجلس هناك دائما فهو ينتظرها، نعم لابد أنه ينتظر متى تأتي كي يبتسم و يذهب إلى السوق من جديد، لقد سمعت عمتي تقول لابنها ألا يبكي لأن والده ـ الذي قالت أمي أنه مات ـ سوف يعود من سفره الطويل يوما ما .. لكنه لم يعد قطُّ.
ذات صباح، و أنا عائدة من دكان عمي العربي، نظر إلي العم يحيى و ناداني بحركة من يده المرتعشة و هو يبتسم، لم أصدق، نظرت حولي فلم أجد سواي في الزقاق، أشعرتني ابتسامته ببعض الأمان فتقدمت إليه بخطى مترددة، ظل يبتسم حتى وقفت على مقربة منه، وضع يده على ظهري و ربت علي بحنو ثم مسح بيده على رأسي، أمسكني من معصم يدي التي تحمل باقة النعناع ثم أخذ منها بعض الوريقات و جعل يشمها، لم ينطق و لو بكلمة واحدة، ابتسمت له بحب و أمان ثم قطفت عدة عروش من الباقة و قدمتها إليه، قبلت ظاهر يده ثم جريت مسرورة إلى البيت و قد قطعت عهدا في نفسي أن أتقدم إليه كل صباح ابتداء من الغد لأعطيه من عروش النعناع و أقبل يده.
و في صباح الغد، كانوا جميعا هناك، أبي و أمي و الجيران و أبناء عمي يحيى و أحفاده، كلهم أمامي مجتمعون، لأول مرة أراهم كذلك .. إلا العم يحيى لم يكن هناك، وضعوا في مكان كرسيه عدة كراسي بيضاء ... و أنا لم ترسلني أمي إلى الدكان، ذهبت إلى الحديقة و جلست أنتظر متى يتفرق ذلك الجمع الغريب ليخرج العم يحيى إلى مكانه المعهود، قالت أمي أيضا أنه مات، لكنني أعرف أنه سيعود، ربما اشتاق إلى زوجته فسافر إليها لكنه سوف يعود، عمي يحيى سوف يعود، فأنا لم أعد أخافه، أنا أحبه و أفتقده، اليوم لم أشتر باقة النعناع لكنني غدا سوف أفعل لأجده في انتظاري ... هذا ما سيكون فلماذا أنا أبكي إذن؟ لماذا أبكي ؟
لبثتُ أنتظره أياما، شهورا ثم سنوات.. لكنه لم يعُد قطّ.. و لن يعود أبداً... أبداً
أبو سلمى و العشرون درهما
ركبت الحافلة، اخترت آخر صف من كراسيها، جلست بقرب النافذة و وضعت حقيبتي على ركبتي بعد أن سحبت منها قلما أسود و ثمن التذكرة، أمسكت الجريدة بكلتا يديَّ و رحت ألقي نظرة سريعة على العناوين و بالي منشغل بالوصول إلى الصفحة ما قبل الأخيرة، صفحة الكلمات المسهمة، هذا البحر الذي أشتهي الغوص فيه مستلذة نشوة اكتشاف أسرار الرائع أبو سلمى و هو يتفنن في تزيين تلك الرقعة المستطيلة بألغازه و حيله، وصلت إلى الصفحة و اجتهدت في طي الجريدة بشكل يساعدني على الكتابة، كتابة ما توصلت إليه من أسرار، مبتدئة بالمألوف و السهل منها، غصت عميقا أنعش ذاكرتي لأعرف سر هذه الكلمة و تلك، هذه ينقصها حرفان فقط و الأخرى على طرف لساني لكنها لا تحضرني الآن ... لا أعرف كيف أبدو لمن ينظر إلي، لكنني كنت أحس بحركات يدي المثيرة للإستغراب و تقاسيم وجهي التي تتغير من فرحة إلى دهشة إلى حيرة إلى شرود ...
ـ ورقتك آ الآنسة
وصلني الصوت من مسافة قريبة جدا فأفزعني، رفعت رأسي لأجد أمامي رجلا مادا يده ... ابتسمت كالبلهاء و مددت إليه خمسة دراهم
ـ آش هادشي؟ فين ورقتك واش ما قطعتيش ؟
يا إلهي إنه المراقب .. نظرت حولي، لقد قطعنا ما يزيد عن نصف المسافة ..
ـ أ أ .. أ أنا مزال ما قطعتش ! ما جاش عندي روسوفور !
عقبت امرأة تجلس بجانبي:
ـ لا آ بنيتي راه جا و خلصناه غير انت ما شفتيهش يمكن !
تبا ... ليس معي إلا عشرون درهما إضافية، يا رب سلم
ـ خاسك تخلصي خمسة و عشرين درهم ثمن الذعيرة !
و هل أملك أن أقول شيئا آخر، الحمد لله أنني أملكها و إلا فلن أسلم منك أنت الذي تنظر إلي بهاتين العينين المتطايرة شررا
ـ ها هي تفضل .. هي نيت للي عندي
ماشي خسارة فأبو سلمى واخا مزال ما خدمت و فلوس الوالد هادو ..
حدث هذا بعد تخرجي بأقل من شهر، لم أكن أعلم حينها أنني سأحظى يوما بشرف التواصل مع هذا الهرم المغربي الكبير و أعرف اسمه بالكامل عبر حسابه في الفايسبوك و أعرف أنه شاعر رائع كذلك، و رسام مبدع و إنسان طيب تستشعر روحه الهادئة في كل حرف يخطه في صفحته أو في أي مكان ..
أستاذي عبد القادر وساط أبو سلمى لازلت تدين لي بعشرين درهما ^_^
خلف الستارة
""
صباح الخير صغيرتي
أنا اليوم سعيدٌ جدا، نعم، سعيد لدرجة تجعلني أبتسم وحدي تماما كأي أبله لطيف، أبتسمُ أخيرا بعدما اعتقدت لفترة طويلة أنني لن أبتسم مجددا، حتى إن عضلات وجهي لا تكاد تطاوعني و أنا أحاول أن أرسم بها ملامح فرحتي كالآخرين.. الآخرين؟ هل أعرف أنا أيضا "آخرين"؟.. لا عليك، المهم أن أكتُب لك الآن وأبتسم...
آه فقط لو تعلمين كم كلفتني هذه الجرأة؟ طبعا لن تصدقي أنني بذلت جهدا كبيرا كي أقنع نفسي بالجلوس للكتابة إليك... لا بأس، و لا علينا من ذلك كله، المهم أنني الآن حر طليق أخط هذه الحروف بشهية كنحلة تتنقل بين الأزهار الجميلة توزع عليها القبلات بحب عارم. اليوم مرت سنة بالتمام و الكمال على أول يوم اكتشفتك فيه، فلا تستغربي إذن مدى سعادتي و أنا أحتفل بعيد مولدي الأول، سنتي الأولى في الحياة بعد أربعين سنة من لا شيء...
أيا نافذتي الوحيدة على العالم.
يا كل العالم.
أنت الآن نائمة كالملاك، تسبحين في أحلامك الوردية، أمّا أنا، فحسبي أن أعد أنفاسك مع كل حرف أخطه.. هكذا أجدني أملأ سبورة الليل بكلماتي هذه بلا كلل أو هوادة. يمتد الليل وييأسُ النوم وتخمد الكائنات، وحدي أبقى مُستيقظاً لأملأ صمت الظلام بجنوني، سأظل أكتب حتى مطلع ستائر نافذتك، وشروق محياك الجميل لينفض عني بنوره تعب أرق لياليَّ.
كان يوما مستعملا كباقي أيامي الرتيبة عندما استطاع أخي أخيرا أن يقنعني بتغيير موضع سريري ليواجه شرفة غرفتي/سجني، شريطة أن تظل الستارة مسدلة كي لا ينتبه لوجودي أحد من الجيران، فيما أكتفي أنا برؤية ما بالخارج مزركشا بالأزهار المطروزة على ثوب الستارة بعناية، و كثيرا ما كنت أحصر نظرتي في فضاء هذه الزهور لأخلق منها عوالم أتجول فيها كما أشاء إلى أن يداعب النوم جفني ـ و قليلا ما يفعل ـ فأستسلم إليه سعيدا منتشيا كما تستسلم المرأة الوحيدة لزوجها الجندي في أولى ليالي عطلته.
كنت شاردا أتفحص البنايات و الأسطح و رقعة السماء الصغيرة التي تسمح بها مساحة النافذة و كل ما وقعت عليه عيناي، إلى أن انفتحت نافذة زرقاء تقابلني مباشرة أطل منها وجهك المدور كبدر ليلة اكتماله، بدوت كالفراشة بثوبك الأبيض الحريري و أنت تطردين النوم من عينيك بحركة الطفلة ذات السنتين، شعرك المنساب يهزه ذلك النسيم الصباحي في تموج ساحر أخذني من سريري و حلق بي عاليا جدا، كنت صرختي الأولى في الحياة التي بدأ نبضها بإطلالتك، ثم صرت أنت حياتي بكل حركاتك و سكناتك، صرت أعرف عاداتك و طباعك، أعرف ألوانك المفضلة و دماك، متى ما ابتسمت أبتسم و متى ما حزنت أحزن، في ليلة رأيتك تبكين فكانت المرة الأولى التي تمنيت فيها أن أتخلص من عجزي و لو لساعتين أزورك فيها و أضمك و أمسح دمع عينيك الغاليتين، لكنني اكتفيت بأن ذرفت معك دموعي التي ظلت جامحة منذ فقدت كل شيء.
صغيرتي..
أشعر بروحي الآن خفيفة كريشة تحملها سحابة في السماء، أشعر أنني سأخرج أخيرا من هذا الجسد الذي طالما سَجنني، أشعر بسعادة عارمة كتلك التي يستشعرها العائد من المنفى، سأحلق أخيرا لأرى باقي السماء و كلي سرور بعمر عشته في سنة كنت فيها ليلي و نهاري، شمسي و قمري، أنت صديقتي التي لم أذهب بجانبها إلى الكلية، أنت زوجتي التي لم أحتفل معها بعيد زواجنا، أنت طفلتي التي لم ألد، أنت حياتي التي لم أعش ... فهل تكفيك مني كلمة شكرًا ؟
شكرا لأنك منحتني كل شيء، و شكرا لأنك ستقرئين هذه الكلمات التي لولا شعوري بثقل الواجب لما كتبتها لك.
أحبك صغيرتي
كوني كما أنت دائما.
""
أتممت الرسالة و قد تبللت بدمعي، جريت أدق بقوة على باب الجيران، سمعتُ شهقات الرجال المكتومة وصِوَاتَ النساء الذي كان يتعالى في الداخل ... ثم لم أشعر بشيء بعدها، إلى أن استيقظت على سريري و أمي بجانبي مغمضة العينين، تبدو عليها ملامح التعب و السهر ..
حنين
ما أصعب أن أحس بالغربة و أنا وسط كل هؤلاء الناس الذين لطالما أحسست معهم بالألفة فقط لأن طيفك يسكنني ... و لأن طيفك صار روحا لجسدي المنهك فيشتاق إليها و ينتظرها كالطفل الضائع ينتظر متى تحضنه أمه .
لا الحروف تغريني و لا الناس تؤنسني، وحدها الأماكن و الكلمات التي جمعتنا أعود إليها كل لحظة ضياع لأقتات منها بعض الذكرى فتنتعش أوصالي من جديد
أسود في الخفاء خراف في العلن !
و انا في طريقي اليوم الى البيضاء حوالي العاشرة صباحا توقفت بنا الحافله في مدخل عين السبع امام دكان صغير على جانب الطريق حيث يستظل مراقبون تحت سقيفته ، صعد ثلاثه منهم و بدؤوا عملهم بأخذ التذاكر من الركاب و تصفحها تباعا ، لم تتحرك الحافلة كما هو مفروض ، بدأت أغضب، و أنظر حولي لا أحد يتكلم أو يبدي اعتراضا ، قلت لا بأس سرعان ما سيكملون عملهم و نمضي ... ضبطوا أحد الركاب لا يملك تذكرة، قال لهم أنها ضاعت منه ، بدؤوا بالصراخ و التوبيخ و التهديد ، أسلوب عنيف جدا و كلمات بذيئة : واش بغيتي نبداو ندلقمو فيك !! ... جبد الورقة موت فيها ولا خلصنا ... أرى نشوف شنو فجيبك !!
وضع أحدهم يده في جيب الراكب بكل عنف و استفزاز و هذا الأخير لا يقاوم !! بدا مرتبكا و يتلعثم بكلمات غير مسموعة !! كل الركاب ينظرون في صمت و كأن على رؤوسهم الطير ... نظرت حولي لا أحد يبدي أي اعتراض لا على توقف الحافلة الغير قانوني و لا دفاعا على ذلك الشاب !!
ـ أرى لهنا نشوف !! حيد يديك نشوف الجيب الآخر ... ها هي خمسمية د ريال !! زيد ها هي ستمية و ربعين خاسك تلاته د دراهم موت فيها !! شوف شكون يخلص عليك !!
بلغ بي الغضب مبلغه فلم أشعر إلا و أنا أصرخ في وجه ذلك الضخم الغليظ السليط اللسان : دبا احنا غانبقاو واقفين حتى تخلصو انتوما !!! ... استدار بكل هدوء و وجه إلي نظرة تتطاير منها شرارة غضب و قال :
ـ آه !! احنا للي كانقررو امتى يزيد الطوبيس ماشي انت
ـ راه عندنا شغالاتنا آ سي !! عندك الحق تقول كتر من هاكدا حيت كلشي ساكت ليكم
ـ آه و إلى ماعجبكش الحال سيري فالتران !! ... مع احترامي لهاد الناس كاملين
ـ ههه بالسيف ماتحترمهم و هوما ساكتين
لم يأبه بي ... صوت من ورائي يهمس في أذني : "خلليه عليك ! " ... تطوع أحدهم بثلاثة دراهم لتكتمل له طريفة التسلل و هي خمسة و ثلاثون درهما في حين ثمن التذكرة لا يتجاوز ستة دراهم ! فأخلى سبيل الشاب أخيرا و ابتعد.
نزلوا ثلاثتهم و توجهوا إلى الكراسي تحت السقيفة فرحين بغنيمتهم ، تحركت الحافلة فإذا بالأفواه تفتح و الطيور التي على الرؤوس تطير ، هرج و مرج :" شفارة ولاد الحرام !!" ... "فالقانون ماخاسش الطوبيس يوقف و الكونطرول خاسو يمشي و يجي معاه !!"..." أو كاع سبعمية د ريال تمن كاميلة كايخلصو الواحد هاكداك باطل !! "....
... تبا للجبن و الخوف و المذلة التي تسكنكم !! أسود في الخفاء خراف في العلن !! ...
وضعت رأسي على زجاج النافذة ، أحاول ألا أسمع كلماتهم التي تزيد من غضبي ... رأيت حينها أن الحافلة ما هي إلا صورة مصغرة عن واقع بلادي و أن سطوة المخزن أو أخطبوط الفساد الذي يستحوذ على خيرات البلاد لا يجب أن يلام أبدا مادام الشعب هكذا جبانا منهزما مذلولا مكموم الأفواه !!
يناير 2013
كازانوفا الفايسبوكي
قال أحبك و هو لا يدري
أ لي قالها أم لغيري
رسم قلبا لي أرسله
و إلى صفحتها راح يجري
أهداها ورودا و وعودا
و عاد يسألني كيف أموري تسري !!
هي لعبة و هو يتقنها
أشاهده و أضحك ملأ ثغري
قطع عهدا على نفسه :
سأغرق كل أنثى في بحري !
أتلفَتِ الأسماءُ ذاكرتًهُ
فوحَّدها ب : حبيبتي و عمري !
لا حياء في وجهه يمنعه
و لا مروءة في دمه تسري
...
سجلت خروجي من سأمٍ
و قد عِفْتُ وِزْرَه و وِزْري
أسدلت الستار على مسرحه
لا سلَّطه الله على غيري