زهرة الثلج: "لي خاف نجا"

"لي خاف نجا"

ـ سمعيني مزيان، وقفي بعيدة و بقاي حاضية الطريق حتى تبان ليك خاوية ما فيها حتى طوموبيل فهمت؟ حتى طوموبيل .. عاد ديك الساعة قطعي .. و جري ماتبقايش هاكدا منونخة! سمعتِ؟ ..
ظلت أمي تعيد علي هذه الكلمات في ذلك الصباح البارد حتى حفظتها، و صرت أتخيل الطوموبيلات وحوشا عملاقة تتربص بالعابرين، و ما إن تلمحني على جانب الطريق حتى تنقض علي.
إنه أول يوم أذهب فيه بمفردي إلى المدرسة و بداخلي خليط من الأحاسيس المختلفة والمتمازجة ما بين خوف وحماس ودهشة و أشياء أخرى ... كدت أغيب عن ناظر أمي و صوتها لا يزال يصلني من بعيد مرددة نفس الوصايا، و بقدر ما كان ذلك يشعرني بالإحراج بقدر ما كنت مستأنسة بصوتها و كأنها ترافقني، العشب على جانبي الطريق يبدو مغريا و حبات الندى تتراقص على أطرافه كقطع من الكريسطال و أنا أحاول أن أتفاداه بقدميَّ حتى لا يتبلل حذائي، في الأفق تلوح لي الطريق اللعينة فيزداد الرعب تشكلا في ذهني، تمر سيارة مسرعة أو شاحنة ضخمة فأتساءل، ترى هل صدمت أحدهم في طريقها؟ عدلت وضع محفطتي على ظهري بكلتا يديَّ و استحضرت وصايا أمي فشعرت ببعض الأمان، ثم تطلعت إلى الحركة التي تدب أمام المنازل المجاورة فشعرت بأمان أكبر ..
لم يعد يفصلني عن الطريق سوى عشرة أمتار تقريبا، و إذ توقفت لأراقبها، لفتت انتباهي حافلة قادمة من الجهة اليمنى، تبطئ من سرعتها كلما ازدادت اقترابا، دب في قلبي فزع رهيب، تأهبت استعدادا لأي خطر محتمل و أنا أمنِّي نفسي أنها سوف تغيب عن ناظري بعد قليل، لكنها خففت من سرعتها أكثر، ثم توقفت فجأة في تقاطع الطريق مع المسرب الذي سأسلكه بالضبط، أحكمت قبضة يديَّ على حزامَيْ محفظتي لأثبتهما على كتفي و أطلقت قدمي للريح عائدة أدراجي لا ألوي على شيء... بعدما أحسست أنني ابتعدت بما يكفي عن موقع الخطر، توقفت، و التفتت بكليتي لأستطلع الأمر، و كم كانت دهشتي كبيرة عندما لمحت معلمي متأبطا حقيبته الجلدية واقفا مكان الحافلة و لا أثر لهذه الأخيرة، أشار إلي محييا و داعيا إياي للحاق به، تمنيت ساعتئذ لو انشقت الأرض و ابتلعتني... مشيت إليه و قد زال إحساس الخوف من داخلي ليحل محله شعور شديد بالحرج، اقتربت من الطريق فطلب مني أن أعبر و ألا داعي للخوف و هو يسفر عن ابتسامة عريضة، خمنت أنه يخفي وراءها ضحكا هستيريا تجنبا لإحراجي.
عبرت الطريق جريا، و توقفت أمامه فصافحني بيده الكبيرة و أبقاها قابضة على يدي و انطلقنا إلى المدرسة، سألني لماذا كنت أجري بتلك السرعة و هو لم يزل يضحك، لم أجب، و اكتفيت بانحناءة خجولة برأسي فتابع كلامه و هو يثني علي أن ما فعلته هو الصواب، و أن "لي خاف نجا"، ثم قال لي أن الحافلات تحمل الركاب، و هؤلاء لا خوف منهم، بينما علي أن أحترس من الشاحنات و السيارات و الدراجات النارية... كنت أنصت إليه بإمعان شديد، و أنا أراقب خطواته الواسعة محاولة تقليدها، و بداخلي شعور بالرضى التام و الطمأنينة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعليقكم تشجيع