و انا في طريقي اليوم الى البيضاء حوالي العاشرة صباحا توقفت بنا الحافله في مدخل عين السبع امام دكان صغير على جانب الطريق حيث يستظل مراقبون تحت سقيفته ، صعد ثلاثه منهم و بدؤوا عملهم بأخذ التذاكر من الركاب و تصفحها تباعا ، لم تتحرك الحافلة كما هو مفروض ، بدأت أغضب، و أنظر حولي لا أحد يتكلم أو يبدي اعتراضا ، قلت لا بأس سرعان ما سيكملون عملهم و نمضي ... ضبطوا أحد الركاب لا يملك تذكرة، قال لهم أنها ضاعت منه ، بدؤوا بالصراخ و التوبيخ و التهديد ، أسلوب عنيف جدا و كلمات بذيئة : واش بغيتي نبداو ندلقمو فيك !! ... جبد الورقة موت فيها ولا خلصنا ... أرى نشوف شنو فجيبك !!
وضع أحدهم يده في جيب الراكب بكل عنف و استفزاز و هذا الأخير لا يقاوم !! بدا مرتبكا و يتلعثم بكلمات غير مسموعة !! كل الركاب ينظرون في صمت و كأن على رؤوسهم الطير ... نظرت حولي لا أحد يبدي أي اعتراض لا على توقف الحافلة الغير قانوني و لا دفاعا على ذلك الشاب !!
ـ أرى لهنا نشوف !! حيد يديك نشوف الجيب الآخر ... ها هي خمسمية د ريال !! زيد ها هي ستمية و ربعين خاسك تلاته د دراهم موت فيها !! شوف شكون يخلص عليك !!
بلغ بي الغضب مبلغه فلم أشعر إلا و أنا أصرخ في وجه ذلك الضخم الغليظ السليط اللسان : دبا احنا غانبقاو واقفين حتى تخلصو انتوما !!! ... استدار بكل هدوء و وجه إلي نظرة تتطاير منها شرارة غضب و قال :
ـ آه !! احنا للي كانقررو امتى يزيد الطوبيس ماشي انت
ـ راه عندنا شغالاتنا آ سي !! عندك الحق تقول كتر من هاكدا حيت كلشي ساكت ليكم
ـ آه و إلى ماعجبكش الحال سيري فالتران !! ... مع احترامي لهاد الناس كاملين
ـ ههه بالسيف ماتحترمهم و هوما ساكتين
لم يأبه بي ... صوت من ورائي يهمس في أذني : "خلليه عليك ! " ... تطوع أحدهم بثلاثة دراهم لتكتمل له طريفة التسلل و هي خمسة و ثلاثون درهما في حين ثمن التذكرة لا يتجاوز ستة دراهم ! فأخلى سبيل الشاب أخيرا و ابتعد.
نزلوا ثلاثتهم و توجهوا إلى الكراسي تحت السقيفة فرحين بغنيمتهم ، تحركت الحافلة فإذا بالأفواه تفتح و الطيور التي على الرؤوس تطير ، هرج و مرج :" شفارة ولاد الحرام !!" ... "فالقانون ماخاسش الطوبيس يوقف و الكونطرول خاسو يمشي و يجي معاه !!"..." أو كاع سبعمية د ريال تمن كاميلة كايخلصو الواحد هاكداك باطل !! "....
... تبا للجبن و الخوف و المذلة التي تسكنكم !! أسود في الخفاء خراف في العلن !! ...
وضعت رأسي على زجاج النافذة ، أحاول ألا أسمع كلماتهم التي تزيد من غضبي ... رأيت حينها أن الحافلة ما هي إلا صورة مصغرة عن واقع بلادي و أن سطوة المخزن أو أخطبوط الفساد الذي يستحوذ على خيرات البلاد لا يجب أن يلام أبدا مادام الشعب هكذا جبانا منهزما مذلولا مكموم الأفواه !!
يناير 2013
3 التعليقات:
لقطة تقول كل شيء
كنت هنا حنان
للأسف هذا هو حالنا
أنا تفقست بلاصتك
لكن موقفك مشرف
شاكرة لمرورك الجميل غاليتي سناء
إرسال تعليق
تعليقكم تشجيع