بعد سيل من الرسائل النصية كان الجواب أخيرا في جملة مقتضبة :
ـ طيب سأجيب عن اتصالك لكن بعد نصف ساعة من الآن.
قرأتها مرتين و هي لا تصدق، بدأت ضربات قلبها تستقر و صار بإمكان الهواء أخيرا أن يتسرب إلى رئتيها، نعم، سوف يجيبها بعد نصف ساعة.. نظرت إلى لوحة هاتفها لتتحقق من الوقت و تضبط أرقامه الظاهرة على اللحظة التي ستتحرر فيها بعد أن أضافت إليها ثلاثين دقيقة.
ثلاثون دقيقة؟، لم تفكر يوما كيف يمكنها أن تراقب مرور الوقت بهذا الشكل، لم تعرف يوما الفرق بين دقيقة و أخرى، لم تنتبه يوما أن الدقيقة الواحدة تفصلها ستون ثانية عن أختها... كانت كل ثانية بمثابة نفس تدخله إلى صدرها، يأخذ كامل وقته في الدخول و الخروج و هي ترقبه في سكون كالمومياء، ستون ثانية زمن كاف لتموت فيه أو تحيا، الدقيقة الواحدة صارت زمنا طويلا استرجعت فيه كل مراحل هذا الحب الذي زلزل كيانها، نظرت إلى الهاتف، ما تزال تسع و عشرون محطة تفصلها عن خلاصها، ترى كيف ستمر ؟
هي المذنبة و كلما ثقلت حركة هذه الدقائق كلما ثقل ذنبها، بماذا سيجيبها و هل سيجيبها؟ هل سيغفر زلتها؟ هل سيسمع أعذارها؟ ثمان و عشرون دقيقة زمن آخر لإعادة نفس هذه الأسئلة مثل متهم ينتظر إعلان الحكم..
الإنتظار موت من نوع آخر، تسرح بخيالها في كل شبر من حياتها بماضيها و حاضرها و عندما تعود للنظر في شاشة هاتفها تجد الرقم نفسه لم يتغير، ياآآه، ما أطول عمر الإنسان لو أنه جلس يرقب دقائقه بهذا الشكل كيف تمر، نصف ساعة و كأنها قرن من الزمن عاشت ثوانيه بتفاصيلها حتى شعرت أنها كبرت سنتين و هي ملقاة على سريرها...
بجهد جهيد مرت الدقيقة الأخيرة من الثلاثين و كانت أطول منها جميعها، اعتدلت في جلستها و ضغطت بإبهامها المرتجف على الزر الأخضر للهاتف، وضعت هذا الأخير بهدوء على أذنها و كلها خوف أن تجد الخط اللعين مغلقا، رن الهاتف فتنفست الصعداء، كان رنينه كخرير شلال يطفئ النار المتقدة في صدرها..
رد أخيرا:
ـ ألو
ـ ألو ..
ـ لحظة أرجوكِ، سأنهي ما بين يديَّ و سأعيد الإتصال بك ..
4 التعليقات:
نص جميل، ينسج بدقة تفاصيل لحظة من لحظات الانتظار المَقيتة، أصعب لحظة وموقف يتعرض له الإنسان، خاصة إن كان ينتظر نتجية مجهولة من شخص ما...
استطاعت حنان أن تجعل القارئ يعيش مع شخصية القصة لحظات انتظارها، ثلاثون دقيقة كافية لموت بطيء ثم انبعاث ثم موت...
إنها لعبة الإنتظار كما سبق قلت، فهي بمجرد أن انهت ثلاثين دقيقة استأنفت لحظة أخرى غير محددة الزمن سيتعيشها من جديد.
سبب الاتصال مجهول، لأنه ليس الأساس في القصة، فالتركيز كان على حالة هذه الشخصية فقط، لكن السبب يجعل القارئ يتخيله بالشكل الذي يراه مناسبا.
أحسنت حنان
الوقت ما أثمنه .. لوأننا نحسب ثوانيه ولحظاته .. وربما بعض الأحيان نمنح من ثوانيينا ودقائقنا من لا يستحقها ..
دمتي بود ..
لك تحياتي اختي حنان .
الانتظار مر
وخاصة حين تكون نهايته خيبة أمل
استمتعت بالقراءة اختي
دمت بود :)
خيبة امل هي اقصى عقوبة تصيب الانسان
استمتع بقراءتها بوركت
إرسال تعليق
تعليقكم تشجيع