زهرة الثلج: اعطاك ربي بلاصا في كَلبي

اعطاك ربي بلاصا في كَلبي

شاردا على غير عادته، وحدها رائحة الدخان المنبعثة من أنفاسه ومعطفه تشعرني أنه لا يزال جالسا بجانبي، أَحسَّ بنظراتي تخترقه فالتفت إلي وابتسم، تلك الإبتسامة الجميلة التي ينشرح لها صدري ... وضع يده في جيبي و أخرج منه هاتفي النقال؛
ـ عندك شي مزيكا اهنا و لا غير الأناشيد (و يضحك بعفوية تذكرني بطفولته)
أتأمله و أستعيد كل الذكريات واللحظات التي جمعتنا، أُحِس أن ما أود أن أقوله له أكبر مما يسعني، فأكتفي بمراقبته، و أنا أبتسم، وقلبي يعتصر حزنا.
ـ بلاتي ندوز ليك واحد المورصو نسمعو فتلفونك هدا عندي ديشارجا. و عنداك تمسحيه هههه خليه تفكريني بيه يعلم الله إمتى نعاودو نتشاوفو تاني ..

يبدأ المقطع بموسيقى حزينة ثم كلمات لا تختلف كثيرا عن اللغة التي يتكلم بها..
اعطاك ربي بلاصا في كَلبي
مهما ديري و قليل في
أنا عشقتك و حملت عذابي
نبغيك بزاف بالسيف علي
...
تستقر دمعة بين جفنيَّ فأداريها بابتسامة، و أقف لأودعه وأذهب للنوم، مؤكدة له أننا سنكمل حديثنا المطول غدا صباحا قبل عودتي و عودته من حيث أتينا..
ظننت أن النوم بعد سماع قصة جواد في غربته، ـ والتي حكاها لي بعد أن أخذ مني وعدا بالكتمان ـ ضرب من الخيال، لكن تعب السفر كان أقوى من هواجسي فغصت في سبات عميق.
عند استيقاظي، وجدت هاتفي بجانب مخدتي، سألت أمي عن جواد، فأجابتني بنبرة حزينة أنه رحل باكرا جدا و لم يودعها. كانت تتساءل عما دفعه إلى ذلك...
أمي لا يجب أن تعرف قصة جواد، آخر العنقود و الأخ الوحيد لأربع فتيات أنا أصغرهن، المدلل من طرف الجميع، و الذي لم يكمل دراسته بعد دخوله إلى عالم التدخين والمخدرات في سن صغيرة، ها هو الآن في بداية عقده الثاني يتخبط ليجد مخرجا للمأزق الذي هو عالق فيه ( كانبغيها، و أنا لي كنت سباب باش هربت من دارهم و تبعاتني، كانضربها، و ملي كاتبكي، كانعنقها و نبكي معها ... خاصني غير نجمع شوي د الفلوس، و غانتزوج بها و ندير عقلي) حاولت إقناعه أن يعود إلى البيت و يستقر تحت أجنحة والدينا، فهو أصغر من هذا العالم الذي فضل أن يخترقه عاريا، حاولت إقناعه أن يقلع عما يتناوله من سموم، و أن المكان الأنسب لفتاته، هو بيت أبويها، إلى أن يكونا مؤهلين للزواج، لكن كلماتي، لم تكن تختلف عن الدخان الذي ينفثه فيتلاشى في فضاء الشرفة.

مرت سنة، لا خبر عن جواد ولا أثر، لا رقم هاتف ولا عنوان، لا شيء غير أغنيته المفضلة التي تركها في هاتفي و دموعي كلما سمعتها، ودعوات أمي وقلقها، ودمعها وأرقها، كان يتصل بها كل شهر من رقم مجهول فقط ليخبرها أنه بخير، و ألا تقلق، و أنه سيعود... يوما ما سيعود...

نزعف أنا و ماتزعفيش انتيَّ
مانبغيش نشوفك غيظانه
آفون تو انتيَّ وليَّه
حسيت بكَلبك عامر حنانه

غدا عيد الأضحى، كل شيء هنا يوحي بذلك ما عدا عينا أمي الدامعتان، و هذا الحزن المتربع على كل أركان البيت، جزء منا جميعا ليس هنا... إنه هناك، خلف الباب، يحمل رضيعة في شهورها الأولى بين ذراعيه، و بجانبه فتاة تحمل حقيبة يدوية و أخرى على ظهرها.
اختلطت الدموع بالابتسامات، و العتاب بالعناق، حملني كما كان يفعل دوما، وطاف بي و أنا أصرخ فرحا، بينما كانت أمي تقبل الرضيعة و تبكي و هي تردد كونها لا تصدق، أن من تحملها بين ذراعيها، هي ابنة جواد، و ليس جواد نفسه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعليقكم تشجيع