أحمل في يدي اليسرى حفنة من الحمص المحمّص، وفي يدي اليمنى كتاب عنوانه "مختارات من رسائل جبران"، ألقم حبات الحمص و ألتهم حروف جبران بتناغم عذب، خلف نافذة الحافلة، تتساقط أمطار غزيرة، وتظهر الأشجار والمباني المتفرقة وكأنها أشباح تجري إلى الخلف، هاربة من شيء مجهول نحن ذاهبون إليه بإصرار و انشراح!
بجانبي يجلس رجل في الخمسين من عمره، يتأمل المطر بفرح باد على محياه، ربما لديه زرع في مكان ما، وهو سعيد لأنه يرتوي الآن، مددت يدي إليه و ناولته بعض حبات الحمص، أخذها و هو يبتسم و كأنه لم يتوقع مني ذلك.
عدت إلى جبران أقرأ:
"عزيزي يوسف
أنا في هذه المدينة المملوءة بالأصدقاء والمعارف، كمنفي إلى أقاصي العالم حيث الحياة باردة كالثلج، و قاتمة كالرماد، و صامتة كأبي الهول."
يهم الرجل بالنهوض لينزل في المحطة المقبلة، يمد يده إلى كيس كان قد وضعه بجانب قدميه تحت الكرسي، يأخذ برتقالة كبيرة الحجم و يقدمها إلي مبتسما، أحاول أن أمتنع عن أخذها فيصر، يضعها بين يدي و يمضي، لم يكلمني و لم أكلمه. أغلقت الكتاب، و رحت أتأمل قطرات المطر و هي تنساب كالدمع على زجاج الحافلة، ابتسمت و قلت لجبران:
ربما كان بعض الغرباء أكثر دفءً
2 التعليقات:
هي الحقيقة مع الأسف ..
الغرباء أكثر دفئاً ..
تحياتي
لم تشعري بدفئه إلا بعدما أشعرتيه أنت بدفئك.
لك تحياتي
إرسال تعليق
تعليقكم تشجيع