وما الجديد الذي سيشغلني، لقد تعودت على مثل هذه المشاحنات و السباب من صباح لآخر طيلة هذه السنوات من التنقل اليومي، كلما رافقني راكب سيء المزاج، أو سائق لا يتحكم بأعصابه. لم تعد هذه الملاسنات وهذا الضجيج يشكلان فرقا لدي، أنا التي كنت في وقت مضى أبكي إذا ما سمعت صوت شجار عند الجيران.
توقفت الحافلة لحل النزاع الذي اشتد، مما جعلني أتذمر لهذا التأخير الذي سيدخلني في جدال مع مشغلي أنا عنه في غنى تام. توجهت بنظري إلى الخارج محاولة عدم التفكير في أي شيء، ومن خلف زجاج النافذة رأيتها، فتاة في السابعة من عمرها أو أقل، تقف في هذا الفضاء الخالي تماما من السكان، تتفرج على الحشد الذي نزل نصفه من باب الحافلة وقد علا صراخهم. كانت خصلات شعرها تتطاير بفعل الريح فتغطي نصف وجها الصغير، ومن فمها وأنفها ينبعث دخان أبيض كلما ارتفع صدرها المحشو وسط معطف لا يبدو سمكه كافيا ليقيها شر هذا البرد الصباحي القارس، في يدها كانت تحمل حزمة نعناع صغيرة، وفي اليد الأخرى كيس شفاف به خبزة واحدة. تنظر بدهشة إلى المشهد أمامها. بنفس الدهشة التي كنت أنظر بها أنا إليها.
ركب الجميع وانطلقت الحافلة بهرجها المتواصل، مخلفة الفتاة وراءها. لم أشعر إلا وأنا أقول بصوت مرتفع: "مافهمتش!"
وإذ بالرجل الذي يجلس بجانبي يجيب واثقا من نفسه:
ـ "ماعندك ما تفهمي فهاد البشر، ولّفو الفوضى والغوات و...."
ومضى مسترسلا في خطابه، فوجدتني أقول بصوت هامس، لم يسمعه غيري " لا ... أنا مافهمتش منين جات هديك البنت؟؟"
1 التعليقات:
مشهد قصصي رائع يا حنان. هكذا طبيعة القاص الحادق أن يلتقط المشاهد من رحم الحياة حيت تلفظها..
أحسنت
إرسال تعليق
تعليقكم تشجيع