"ربى..
إنى وهبت لك ما فى قلبى
محررا
وسميتها...شهرزاد"
ها هي متربعة كالعروس أمامي وروحي ترفرف حولها بمحبة وسكينة، تتجاوزها
نظراتي إلى عتبة الباب التي شهدت حادثة كسر ذراعي قبل سنتين، الذراع التي
أتحسسها الآن بيسراي وقد سهرني ألمها ليلتي كلها، فانتظرت بزوغ الصباح
بمشقة لأزور الطبيب..
تحول الحزن إلى نشوة بلمحة خاطفة إلى عربة أصص النباتات التي يقف قبالتها رجل خمسيني في الشارع الذي تفصلني بعض خطواته عن العيادة.. "إن عدت بخبر حسن، ووجدته هنا، سوف أشتري منه نبتة".. وبدأ الألم يخف.
صعدت السلالم لأجد العيادة مغلقة، "نوت نيوز كود نيوز!" هكذا يقول الإنجليز، ابتسمت ونزلت، وفي ذهني صورة العربة الخضراء. ما إن لمحتها حتى انشرح صدري وزال الألم، تذكرت حلمي الذي أتوق إلى تحقيقه، ضيعة صغيرة، مشتل صغير، بيت ريفي صغير بمكتبة كبيرة... (بكم هذه؟.. وهذه؟) احترت وتمنيت لو أشتري منه كل ما لديه من أصص، في الزاوية كانت تقبع بخجل تفضحه حمرتها الخفيفة.. (سآخذ هذه).. حملتها بذراعي المريضة غير آبهة وعدت أدراجي.
في الطريق الذي ألفت المرور منه دائما من دون أن ينتبه إلي أحد، شعرت بأنظار المارة تحيطني من كل جانب، ترى هل أبدو غريبة إلى هذا الحد؟ لا، إنهم لا ينظرون إلي، بل إلى ما تحمله يدي. نعم إنني أحمل جزءً من أرواحهم، هذا ما قالته لي نظرات عيونهم الباسمة والمتحسرة في آن واحد، نظرات تقول أن هؤلاء البشر الذين استهلكتهم المادة حتى صاروا كالإنسان الآلي، تدفعهم رتابة أيامهم السريعة والمليئة بالحركة إلى التلاشي في دروب هذه المدينة الغول، التي تبتلع أبناءها كل ليلة ثم تلفظهم للسعي كل صباح. نظرات فيها حنين إلى نزق الطفولة، ومسابقة الفراشات في الرحلات المدرسية بمواسم الربيع، فيها حنين إلى الجمال الذي غيبته الأوراق والحواسيب والهواتف الذكية والوجبات الخفيفة بلا طعم ووسائل النقل المزدحمة... نظرات فيها تعب يرنو إلى الاستلقاء في ربوة لا صوت يعكر صفوها سوى صوت العصافير واليعاسيب وخرير شلال قريب. هل يوجد كل هذا في أقحوانتي اليتيمة التي جالت شوارع هذه المدينة القاتمة في ضجر حتى استقرت فوق ذراعي؟ لا طبعا، لكنها توجد في أرواحهم كما توجد في روحي...
سألني أخي عبر الأثير عن حال ذراعي، فقلت أنني اشتريت زهرة وتحسّنت.. قال لي (سميها شهرزاد)..
نعم إنها شهرزاد التي تختزن حكايا المنبوذبين في الأرض بين وريقاتها الكثيفة.
تحول الحزن إلى نشوة بلمحة خاطفة إلى عربة أصص النباتات التي يقف قبالتها رجل خمسيني في الشارع الذي تفصلني بعض خطواته عن العيادة.. "إن عدت بخبر حسن، ووجدته هنا، سوف أشتري منه نبتة".. وبدأ الألم يخف.
صعدت السلالم لأجد العيادة مغلقة، "نوت نيوز كود نيوز!" هكذا يقول الإنجليز، ابتسمت ونزلت، وفي ذهني صورة العربة الخضراء. ما إن لمحتها حتى انشرح صدري وزال الألم، تذكرت حلمي الذي أتوق إلى تحقيقه، ضيعة صغيرة، مشتل صغير، بيت ريفي صغير بمكتبة كبيرة... (بكم هذه؟.. وهذه؟) احترت وتمنيت لو أشتري منه كل ما لديه من أصص، في الزاوية كانت تقبع بخجل تفضحه حمرتها الخفيفة.. (سآخذ هذه).. حملتها بذراعي المريضة غير آبهة وعدت أدراجي.
في الطريق الذي ألفت المرور منه دائما من دون أن ينتبه إلي أحد، شعرت بأنظار المارة تحيطني من كل جانب، ترى هل أبدو غريبة إلى هذا الحد؟ لا، إنهم لا ينظرون إلي، بل إلى ما تحمله يدي. نعم إنني أحمل جزءً من أرواحهم، هذا ما قالته لي نظرات عيونهم الباسمة والمتحسرة في آن واحد، نظرات تقول أن هؤلاء البشر الذين استهلكتهم المادة حتى صاروا كالإنسان الآلي، تدفعهم رتابة أيامهم السريعة والمليئة بالحركة إلى التلاشي في دروب هذه المدينة الغول، التي تبتلع أبناءها كل ليلة ثم تلفظهم للسعي كل صباح. نظرات فيها حنين إلى نزق الطفولة، ومسابقة الفراشات في الرحلات المدرسية بمواسم الربيع، فيها حنين إلى الجمال الذي غيبته الأوراق والحواسيب والهواتف الذكية والوجبات الخفيفة بلا طعم ووسائل النقل المزدحمة... نظرات فيها تعب يرنو إلى الاستلقاء في ربوة لا صوت يعكر صفوها سوى صوت العصافير واليعاسيب وخرير شلال قريب. هل يوجد كل هذا في أقحوانتي اليتيمة التي جالت شوارع هذه المدينة القاتمة في ضجر حتى استقرت فوق ذراعي؟ لا طبعا، لكنها توجد في أرواحهم كما توجد في روحي...
سألني أخي عبر الأثير عن حال ذراعي، فقلت أنني اشتريت زهرة وتحسّنت.. قال لي (سميها شهرزاد)..
نعم إنها شهرزاد التي تختزن حكايا المنبوذبين في الأرض بين وريقاتها الكثيفة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
تعليقكم تشجيع