استيقظت فاطمة باكرا على غير عادتها -و إن كانت لم تنم من الليل إلا قليلا - بقيت جالسة في فراشها الدافئ مسترسلة بفكرها فيما سيحمله هذا اليوم الإستثنائي.
بعد هنيهة قدمت والدتها لإيقاظها و لما رأتها على ذلك الحال، ابتسمت و قالت لها:
ـ فقت، يا الله نوضي غسلي وجهك و لبسي حوايجك قبل ما يجي الحسين يلقاك باقا معطلة.
الحسين هو ابن عمها الذي يكبرها بخمس سنوات و الذي سيصطحبها معه في أول يوم لها إلى المدرسة الإبتدائية التي تبعد عن الدوار بحوالي ثلاث كيلومترات بعد أن سجلها والدها في المستوى الأول "التحضيري" .
ارتدت فاطمة ملابسها المعدة منذ أسبوع لهذا اليوم و قلبها الصغير يرتجف بردا و خوفا و فرحا... دخلت إلى المطبخ و جلست القرفصاء إلى جانب والدتها التي تستعد لتحضير العجين بعد أن قدمت لفاطمة كأسا من الحليب الساخن و قطعة خبز.
إنه أول تغيير جذري في عالم فاطمة الصغير لذا كانت شاردة الذهن و هي تتأمل حذاءها الرمادي الجديد الذي ستتنتعله لأول مرة...
قاطع شرود فاطمة صوت الحسين و هو يناديها من الخارج، قامت مسرعة وضعت قدميها في حذاءها و أخذت معطفها و هرولت و هي تودع أمها بنظرة حزينة و كأنها تتوسلها لمرافقتها...
اختفيا بين أشجار الزيتون و أمها ترقبهما بعينين حنونتين بعد ن هتفت بالحسين:
ـ رد ليها البال أ ولدي الحسين الله يرضي عليك..
إلتقى الحسين برفاقه في الطريق و فاطمة تمشي وراءهم بخطوات سريعة و أنفاس متقطعة إلى أن وصلوا إلى المدرسة، أمسكها من يدها و أشار إلى باب في آخر الصف المكون من ثلاثة أقسام قائلا:
ـ هاداك هو القسم ديالك سيري دخلي، مللي تخرجو غاتلقايني كانتسناك هنا
انطلقت فاطمة و ضربات قلبها تتسارع متسائلة عما ستجده وراء ذلك الباب، وقفت عند عتبته، نزعت حذاءها الرمادي و دخلت لتجلس في طاولة أولى محاذية لباب القسم بجانب فتاة سمراء مجعدة الشعر، نظرت إليها هذه الأخيرة في استغراب و بادرتها بالسؤال:
ـ علاش حيدتي صباطك ؟
أجابتها فاطمة بنفس النظرة و نفس النبرة:
ـ ونتوما علاش ماحيدتوهمش ؟
ـ مانعرف، يمكن حيت هنا قسم ماشي بحال الدار..
نظرت فاطمة فيما حولها، كل الأطفال بأحذيتهم و لحسن حظها كانوا منشغلين بالتعرف على بعضهم فلم يفطن لفعلها منهم أحد عدا جارتها السمراء...
قامت فاطمة في صمت و انتعلت حذاءها بكل هدوء وعادت لتجلس و هي في غاية الحياء.. أما المعلم فقد كان منشغلا بتوظيب بعض الأوراق على مكتبه و فجأة التفت إلى تلاميذه، صفق بيدين قويتين ثلاث مرات و قال:
ـ انتبهوا، مانبغيش نسمع الصداع غانادي عليكم بالسميات اللي سمع سميتو يوقف و يقول حاضر، أنا هو المعلم ديالكم سميتي "اسي بالحفيان"..
يا لا غرائب الصدف، ترى هل هي فعلا صدفة أم هوقدر به سر خفي لا يعلم كنهه إلا الله عز وجل...
المهم تعودت فاطمة على أجواء المدرسة يوما بعد يوم و صارت أحب تلامذة اسي بالحفيان إليه نظرا لجديتها و طيبتها و قلة كلامها و حرصها على تعلم و حفظ كل الدروس رغم السذاجة التي كانت تلون الكثير من تصرفاتها..
في آخر السنة الدراسية قدم اسي بالحفيان جائزة أول رتبة في القسم إلى فاطمة و كان مسرورا بذلك أكثر منها و كأنها ثمرة أينعت و نضجت على يديه فقد كان رجل تعليم بحق محبا للعلم و الإجتهاد..
حافظت فاطمة على الرتبة الأولى خلال كل مراحل تعليمها إلى أن حصلت على شهادتها العليا و اشتغلت و هي لم و لن تتنسى أبدا أن أولى خطواتها في درب الحياة كانت بقدمين حافيتين...
بعد هنيهة قدمت والدتها لإيقاظها و لما رأتها على ذلك الحال، ابتسمت و قالت لها:
ـ فقت، يا الله نوضي غسلي وجهك و لبسي حوايجك قبل ما يجي الحسين يلقاك باقا معطلة.
الحسين هو ابن عمها الذي يكبرها بخمس سنوات و الذي سيصطحبها معه في أول يوم لها إلى المدرسة الإبتدائية التي تبعد عن الدوار بحوالي ثلاث كيلومترات بعد أن سجلها والدها في المستوى الأول "التحضيري" .
ارتدت فاطمة ملابسها المعدة منذ أسبوع لهذا اليوم و قلبها الصغير يرتجف بردا و خوفا و فرحا... دخلت إلى المطبخ و جلست القرفصاء إلى جانب والدتها التي تستعد لتحضير العجين بعد أن قدمت لفاطمة كأسا من الحليب الساخن و قطعة خبز.
إنه أول تغيير جذري في عالم فاطمة الصغير لذا كانت شاردة الذهن و هي تتأمل حذاءها الرمادي الجديد الذي ستتنتعله لأول مرة...
قاطع شرود فاطمة صوت الحسين و هو يناديها من الخارج، قامت مسرعة وضعت قدميها في حذاءها و أخذت معطفها و هرولت و هي تودع أمها بنظرة حزينة و كأنها تتوسلها لمرافقتها...
اختفيا بين أشجار الزيتون و أمها ترقبهما بعينين حنونتين بعد ن هتفت بالحسين:
ـ رد ليها البال أ ولدي الحسين الله يرضي عليك..
إلتقى الحسين برفاقه في الطريق و فاطمة تمشي وراءهم بخطوات سريعة و أنفاس متقطعة إلى أن وصلوا إلى المدرسة، أمسكها من يدها و أشار إلى باب في آخر الصف المكون من ثلاثة أقسام قائلا:
ـ هاداك هو القسم ديالك سيري دخلي، مللي تخرجو غاتلقايني كانتسناك هنا
انطلقت فاطمة و ضربات قلبها تتسارع متسائلة عما ستجده وراء ذلك الباب، وقفت عند عتبته، نزعت حذاءها الرمادي و دخلت لتجلس في طاولة أولى محاذية لباب القسم بجانب فتاة سمراء مجعدة الشعر، نظرت إليها هذه الأخيرة في استغراب و بادرتها بالسؤال:
ـ علاش حيدتي صباطك ؟
أجابتها فاطمة بنفس النظرة و نفس النبرة:
ـ ونتوما علاش ماحيدتوهمش ؟
ـ مانعرف، يمكن حيت هنا قسم ماشي بحال الدار..
نظرت فاطمة فيما حولها، كل الأطفال بأحذيتهم و لحسن حظها كانوا منشغلين بالتعرف على بعضهم فلم يفطن لفعلها منهم أحد عدا جارتها السمراء...
قامت فاطمة في صمت و انتعلت حذاءها بكل هدوء وعادت لتجلس و هي في غاية الحياء.. أما المعلم فقد كان منشغلا بتوظيب بعض الأوراق على مكتبه و فجأة التفت إلى تلاميذه، صفق بيدين قويتين ثلاث مرات و قال:
ـ انتبهوا، مانبغيش نسمع الصداع غانادي عليكم بالسميات اللي سمع سميتو يوقف و يقول حاضر، أنا هو المعلم ديالكم سميتي "اسي بالحفيان"..
يا لا غرائب الصدف، ترى هل هي فعلا صدفة أم هوقدر به سر خفي لا يعلم كنهه إلا الله عز وجل...
المهم تعودت فاطمة على أجواء المدرسة يوما بعد يوم و صارت أحب تلامذة اسي بالحفيان إليه نظرا لجديتها و طيبتها و قلة كلامها و حرصها على تعلم و حفظ كل الدروس رغم السذاجة التي كانت تلون الكثير من تصرفاتها..
في آخر السنة الدراسية قدم اسي بالحفيان جائزة أول رتبة في القسم إلى فاطمة و كان مسرورا بذلك أكثر منها و كأنها ثمرة أينعت و نضجت على يديه فقد كان رجل تعليم بحق محبا للعلم و الإجتهاد..
حافظت فاطمة على الرتبة الأولى خلال كل مراحل تعليمها إلى أن حصلت على شهادتها العليا و اشتغلت و هي لم و لن تتنسى أبدا أن أولى خطواتها في درب الحياة كانت بقدمين حافيتين...
12 التعليقات:
اهلا بك اسي الحفيان في منظومة التعليم المغربية الان
جميلة قصة الحافية المجتهدة
من العبر ما يستفاد
سلام
قصة رائعة جدا ، وسرد ممتاز
قصة معبرة، والعبرة طبعا بخواتيم الأمور وهي جدها
ومثابرتها في التحصيل العلمي، وليست العبرة بالأقدام منتعلة أو حافية. ههـيـه حتى سي بلحفيان مسكين خفف عنها حرجها باسمه.
ما أروع أسلوبك أختي حنان .. أمام مثلك يخجل المرء أن يعبر ..
أما القصة فربما لأن تكويني سينمائي ، وأنا أقرأ الفقرة التي خلعت فاطمة حذاءها كنت انتظر هذا المشهد أن يطول اكثر واكثر ، بل وتكثر الأحداث هناك .. غير اني حين وصلت الى تلك النهاية القوية وجدتني احب القصة هكذا دون اي اضافة ..
أخي shababe و الله مضى عهد على سي بالحفيان لعله تقاعد منذ مدة هههه
شكرا لمرورك و كل التوفيق إن شاء الله لمنظومتكم
حفظك الله أخي هشام
سررت بمرورك
بارك الله فيك أخي naceryo
شكرا لتشجيعك
سعدت بمرورك أستاذي عبد العاطي
نعم كانت مصادفة عجيبة و الله و لقد أخبر سي بالحفيان فاطمة بعد ذلك أن نسبه يعود إلى جده الذي كان يرفض أن ينتعل حذاء حتى يبقى مرتبطا بالأرض باعتبار أنها أمه و أن ذلك تواضع في حقها ، أبدا لن تنسى فاطمة تلك الذكريات.
تحية و تقدير لكل رجال التعليم و تحية خاصة للأستاذ عبد العاطي
هذا فقط من كرمك و تواضعك أخي خالد التاقي
ما أنا إلا حافية القدمين التي لازالت تتعلم كيف تمسك القلم...
سعدت بمرورك
انت انتهيت هنا
حافظت فاطمة على الرتبة الأولى خلال كل مراحل تعليمها إلى أن حصلت على شهادتها العليا و اشتغلت و هي لم و لن تتنسى أبدا أن أولى خطواتها في درب الحياة كانت بقدمين حافيتين...
ومن هنا ابدا انا لاقول لك كنت رائعة يا اختي في طريقتك لسرد هده القصة التي تحمل اكثر من عبرة ومعنى
ورسالتك وصلت
قصيدة رائعة الله اوفق لما هو افضل
إرسال تعليق
تعليقكم تشجيع