سرح بها ذهنها بعيدا و هي تراقب من خلف زجاج الحافلة، تجلس في نفس المقعد المألوف في آخر الصف على اليسار متكئة على حافة النافذة ، هي نفس المناظر فلماذا تبدو لها اليوم أكثر شحوبا و غموضا ؟
على بعد نصف ساعة من انطلاق الحافلة بدأت البنايات تتوارى و حركة السير المكتظة تقل شيئا فشيئا و ضجيج منبهات السيارات و الشاحنات يتضاءل، و في الأفق تلوح أمواج البحر الهادئة خلف تلة شبه مستوية ، إنه المكان الذي تنتظر المرور بجانبه كل مساء لتسرق منه بعض النظرات تشفي شيئا من غليلها و تزيل بعض وحشتها التي تقضيها معظم اليوم في تلك المدينة الغول المليئة بالأشباح ...
كانت نظرتها هذا المساء مختلفة ممتزجة بحزن دفين لا تعرف كنهه، أ هو الحنين أم اليأس أم هي تلك الوقفة التي تقفها مع نفسها من حين لآخر ... لم تكن شيئا من هذا كله و كانت مزيجا من هذا كله ، كان الظلام قد بدأ يسدل ستاره و يحجب بعض البنايات المنتشرة هنا و هناك بالتوازي مع الشاطئ و لم يعد يظهر من البحر إلا زبد أمواجه المشع بياضا، مع بقايا الشفق المنعكس على سطحه ، لوحة مرسومة بإبداع الخالق جل في علاه و مثلها تماما كان فكرها يعلوه السواد و الغموض مع بصيص أمل ينير عتمة الفؤاد ، رن هاتفها النقال على حين غفلة ففزعت و كأنها تستيقظ مذعورة من نوم عميق، فتشت عنه بسرعة بين أغراض حقيبتها ...
ـ ألو ... !
ـ مرحبا أختي كيف حالك ؟
ـ مرحبا ...
ـ أختي لا تقاطعيني حتى أكمل كلامي و بعدها مباشرة سأقفل لأن العبرات بالكاد تسعفني، أنا آسفة و لو كنت أعرف كلمة أبلغ من هذه لقلتها لك ، سامحيني عن الذي بدر مني قبل قليل و أعرفك حنونة و لن تردي طلبي و أتمنى لك ليلة سعيدة و غدا لا تتناولي فطورك في البيت إلى أن نلتقي في العمل ... مع السلامة ! تيط تيط تيط.
مسحت دمعة من عينيها والبسمة تعلو وجهها ، وضعت رأسها من جديد على حافة النافذة و صار كل الكون أمامها لوحة طبيعية بلون الزهر مع أن الظلام خارجا كان قد انتصر على آخر شعاع من الشفق ..
11 التعليقات:
هل تحاولين اقناعنا أن ما نشعر به يؤثر سلبا أو ايجابا على نظرتنا إلى محيطنا؟
هي فعلا فكرة صحيحة.
طريقة التعبير سلسة وحاولت أنت تشعرينا بشكل الاحساس المتجلي في وصفك للظوهر المشهودة.
تحيتي حنان :)
قال السماء كئيبة وتجهم قلت ابتسم يكفي التجهم في السما.
سرد مترابط يجعل القارئ يركب بدوره الحافلة ويقف على ما في اللوحتين من اختلاف. أما الخاتمة فلم تخلف موعدها وجاءت معبرة: تحيا الصداقة الحقة.
تحياتي وتقديري
لقد اثبتت رومانسيتك اليوم حنان ههه
أرجو أن يكون الأمر سحابة صيف عابرةو أقول لك و أنا واثق أن هذا سيكون موقفك " إن الله غفور رحيم "
يقول الشاعر :
إذا كنت في كل الأمور معاتبا صديقك لا تجد الذي لا تعاتبه....
مررت بهذه التجربة أكثر من مرة ..
كلمة تجعلك تذهب من أسعد حالاتك إلى أشد الحزن
و كلمة أخرى تمسح كل حزن قلبك و تجعلك تريد أن تأخذ الدنيا في أحضانك ..
دمت سالمة و دام لنا قلمك ..
اختصرت لنا الكثير مما يردده علماء النفس في تبيان العلاقة بين الحالة النفسية وبين جمال الحياة..
ولو نخلع النظارات السوداء التي نلبسها عمداً من دون أن ننتظر موقفاً يخلعها عنا لأصبحت الحياة أجمل لوحة نراها...
لك تحياتي يا مبدعة...
هي لحظات يجود بها زماننا وتجود علينا بمشاعرها حتى لنحتبس بداخلها لقرون
انها الحياة بتقلباتها
سعدت بالمرور بحروفك حناني
نعم هو كذلك أستاذي رشيد .... أصدق تحية لك أيضا
أسعدني ما كتبت في تدخلك أستاذي عبد العاطي .... أرجو فعلا أن أكون بهذا القدر من ثناءك
تحياتي و شكري إليك
طبعا أستاذ محمد و هل نملك إلا نسعد بمن نحبهم و يتجدد الود و الصفاء بيننا بعد ذلك الإعتراف الجميل
تحياتي أستاذي
أسعدني مرورك أستاذ بندر فلك ألف شكر
تحياتي الخالصة
و أنا أكثر سعادة بمرورك أستاذتي و غاليتي ليلى
تحياتي الخالصة
إرسال تعليق
تعليقكم تشجيع