ما كان أحد ليصدّق الذي حدث لي هذا الصباح، لكنّني سأحكيه لكم على أي حال.
استيقظت بقلب منقبض وروح حزينة، لا شهيّة لي لأي شيء، ولا رغبة لي في الكلام مع أحد.. شربت قهوتي، ثم عزمت أن أكتب قصة قصيرة! هكذا، بدون فكرة مسبقة، ولا حدث مميّز في البال.
عبثا حاولت وأنا أجلس قرب النافذة، ففكّرت أن أحمل ورقتي وقلمي وحروفي وأذهب إلى الشّاطئ، هناك يمكنني أن أكتب العجب!
جمعت أغراضي في سلّة صغيرة، وقصدت البحر.
جلست على الرّمال، أحسست باشعّة الشّمس تغمر روحي، ورائحة البحر تنعش أنفاسي، استنشقت هواء نقيًا، وأخذت الورقة والقلم بحماس ثم قررت أخذ ثلاثة حروف من السّلة، أكوِّن منها كلمة فأجعلها محور قصّتي، هكذا لن أتعب عقلي بالتفكير.
و.. ج.. ع ..
تساقطت بهذا التّتابع من يدي على الورقة، سمعت أنينا حزينا فالتفتّ، رأيت طيفا ممدّدا بجانبي، يضغط بكلتا يديه على بطنه وينكمش على نفسه شيئا فشيئا، حاشرا رأسه بين كتفيه، وجهه الشّاحب لا يظهر لي منه إلاّ أعلاه... لم أحتمل النّظر إليه، فبعثرت الأحرف الثّلاثة بسرعة.
ج..و..ع...
حاول الطّيف أن يرفع رأسه بكل جهد وهو يتأوّه، ثم مدّ إليّ إحدى يديه كما يفعل المتسوّل، بدا مثيرا للشّفقة وهو يبلع ريقه بصعوبة، أشحت عنه نظري، وقد بلغ بي الحزن مبلغه، فضربت بيدي على الورقة بحنق
ع..و..ج..
تحامل الطّيف على نفسه حتى وقف، فإذ هو شاب هزيل، ولاّني بظهره ومضى. بالكاد كان يخطو، ونصف جسمه الأعلى في وضعيّة الرّكوع..
عدت إلى السّلّة ممنيّة نفسي بكلمة أجمل، أخرجت قبضة يدي وأطلقتها على الورقة
د..م..ع..
ربّاه!. رفعت عيني إلى صبيّة تقف أمامي، والدّموع تسحّ من عينيها، (ابتسمي أرجوك فلا شيء يدعوك للبكاء)، قلت لها، أرسلت عينيها إلى حيث مضى الشاب الهزيل، ثم مدّت يدها إلى ورقتي وقالت: (هل تعلم أن الخوف أكثر عدوى بين النّاس من الضّحك؟). حاولت الإمساك بيدها، فتلاشت وتبعثرت الحروف من تحت يدي
م..ع..د..
(لا! هذا يكفي!) قلت ونفضت الورقة بغضب، فتساقطت الأحرف على الرمّل أمامي
ع..د..م..
لم أر أمامي سوى أمواج البحر تتسلّل ببطء إلى أن تقترب منّي، ثم تعود، مخلّفة مساحة شاسعة خاوية كروحي المجوّفة. عدت بجسمي إلى الوراء وتمدّدت على الرّمال، ورحت أنظر بعيون شاخصة إلى اللاّشيء الهائل..
قمت ألملم خيبتي لأعود أدراجي، حملت سلّتي ونظرت إليها بفضول، (لا بأس من محاولة أخيرة، فهي لن تزيد من كآبتي أكثر ممّا هي عليه)، فتحت قبضة يدي
ق..ب..ر..
(قبر؟ هكذا إذن! قبر!.. نعم، إنه حقًّا أبلغ ما تستحقّينه أيّتها الحروف اللّعينة!). أعدتها إلى السّلّة، وطوّحت بها في الهواء، ثم رميتها بأقصى قوّتي إلى البحر. (ها هو قبرك أيّتها المنحوسة!).. شعرت بالتحرّر أخيرًا، رغم الحزن الذي لا يزال يغلّف روحي. وقفت أنظر إلى السّلة تطفو فوق الماء، ثم يا لعجب ما رأيت!! سقطت من تحت الراء عصا رقيقة، ثم اصطفّت الحروف الأربعة على سطح السّلة، التي تحولت فجأة إلى قارب!
ق..ا..ر.. ب..
قارب؟!... يا الله.
جلست صبية حسناء على جانب القارب المتمايل، تنظر برقّة إلى شاب أنيق يجلس قبالتها، يمسك بمجدافين يدفع بهما الماء، تبسمت بدلال وقالت:
ـ ربما لو أن صاحبنا فكّر في كتابة رواية، لكنّا الآن على ظهر سفينة ضخمة، وكانت معنا رِفقة
أجابها الشاب مبتسما بمكر :
ـ لكنّنا أفضل حالاً هكذا، أليس كذلك؟
تتبّعت القارب بسعادة غامرة حتى غاب عن عيني... وعدت.
استيقظت بقلب منقبض وروح حزينة، لا شهيّة لي لأي شيء، ولا رغبة لي في الكلام مع أحد.. شربت قهوتي، ثم عزمت أن أكتب قصة قصيرة! هكذا، بدون فكرة مسبقة، ولا حدث مميّز في البال.
عبثا حاولت وأنا أجلس قرب النافذة، ففكّرت أن أحمل ورقتي وقلمي وحروفي وأذهب إلى الشّاطئ، هناك يمكنني أن أكتب العجب!
جمعت أغراضي في سلّة صغيرة، وقصدت البحر.
جلست على الرّمال، أحسست باشعّة الشّمس تغمر روحي، ورائحة البحر تنعش أنفاسي، استنشقت هواء نقيًا، وأخذت الورقة والقلم بحماس ثم قررت أخذ ثلاثة حروف من السّلة، أكوِّن منها كلمة فأجعلها محور قصّتي، هكذا لن أتعب عقلي بالتفكير.
و.. ج.. ع ..
تساقطت بهذا التّتابع من يدي على الورقة، سمعت أنينا حزينا فالتفتّ، رأيت طيفا ممدّدا بجانبي، يضغط بكلتا يديه على بطنه وينكمش على نفسه شيئا فشيئا، حاشرا رأسه بين كتفيه، وجهه الشّاحب لا يظهر لي منه إلاّ أعلاه... لم أحتمل النّظر إليه، فبعثرت الأحرف الثّلاثة بسرعة.
ج..و..ع...
حاول الطّيف أن يرفع رأسه بكل جهد وهو يتأوّه، ثم مدّ إليّ إحدى يديه كما يفعل المتسوّل، بدا مثيرا للشّفقة وهو يبلع ريقه بصعوبة، أشحت عنه نظري، وقد بلغ بي الحزن مبلغه، فضربت بيدي على الورقة بحنق
ع..و..ج..
تحامل الطّيف على نفسه حتى وقف، فإذ هو شاب هزيل، ولاّني بظهره ومضى. بالكاد كان يخطو، ونصف جسمه الأعلى في وضعيّة الرّكوع..
عدت إلى السّلّة ممنيّة نفسي بكلمة أجمل، أخرجت قبضة يدي وأطلقتها على الورقة
د..م..ع..
ربّاه!. رفعت عيني إلى صبيّة تقف أمامي، والدّموع تسحّ من عينيها، (ابتسمي أرجوك فلا شيء يدعوك للبكاء)، قلت لها، أرسلت عينيها إلى حيث مضى الشاب الهزيل، ثم مدّت يدها إلى ورقتي وقالت: (هل تعلم أن الخوف أكثر عدوى بين النّاس من الضّحك؟). حاولت الإمساك بيدها، فتلاشت وتبعثرت الحروف من تحت يدي
م..ع..د..
(لا! هذا يكفي!) قلت ونفضت الورقة بغضب، فتساقطت الأحرف على الرمّل أمامي
ع..د..م..
لم أر أمامي سوى أمواج البحر تتسلّل ببطء إلى أن تقترب منّي، ثم تعود، مخلّفة مساحة شاسعة خاوية كروحي المجوّفة. عدت بجسمي إلى الوراء وتمدّدت على الرّمال، ورحت أنظر بعيون شاخصة إلى اللاّشيء الهائل..
قمت ألملم خيبتي لأعود أدراجي، حملت سلّتي ونظرت إليها بفضول، (لا بأس من محاولة أخيرة، فهي لن تزيد من كآبتي أكثر ممّا هي عليه)، فتحت قبضة يدي
ق..ب..ر..
(قبر؟ هكذا إذن! قبر!.. نعم، إنه حقًّا أبلغ ما تستحقّينه أيّتها الحروف اللّعينة!). أعدتها إلى السّلّة، وطوّحت بها في الهواء، ثم رميتها بأقصى قوّتي إلى البحر. (ها هو قبرك أيّتها المنحوسة!).. شعرت بالتحرّر أخيرًا، رغم الحزن الذي لا يزال يغلّف روحي. وقفت أنظر إلى السّلة تطفو فوق الماء، ثم يا لعجب ما رأيت!! سقطت من تحت الراء عصا رقيقة، ثم اصطفّت الحروف الأربعة على سطح السّلة، التي تحولت فجأة إلى قارب!
ق..ا..ر.. ب..
قارب؟!... يا الله.
جلست صبية حسناء على جانب القارب المتمايل، تنظر برقّة إلى شاب أنيق يجلس قبالتها، يمسك بمجدافين يدفع بهما الماء، تبسمت بدلال وقالت:
ـ ربما لو أن صاحبنا فكّر في كتابة رواية، لكنّا الآن على ظهر سفينة ضخمة، وكانت معنا رِفقة
أجابها الشاب مبتسما بمكر :
ـ لكنّنا أفضل حالاً هكذا، أليس كذلك؟
تتبّعت القارب بسعادة غامرة حتى غاب عن عيني... وعدت.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
تعليقكم تشجيع